صوت ضجيج حاد والحجرة ممتلئة عن أخرها بالمكاتب يجلس عليها الموظفين كلٌ أمام جهاز الكمبيوتر الخاص به، يتلقون شكاوى و مكالمات من عملاء شركة النصر للإتصالات.
كان أدهم قد تعين فى هذه الشركة منذ حوالى سنتين، و امتاز بالكفاءة و حسن التعامل مع العملاء و لم يسبق أن صدرت ضده شكوى من قبل، لذلك كان الأكثر حصولا على لقب الموظف المثالى كل شهر.
إلا أن أدهم كان لديه عادة سيئة .. فقد إعتاد التنصت على المكالمات !، لم يكن يقصد بهذا أشخاص محددة و لكن كان يفعلها بشكل عشوائى نتيجة الملل المصاحب له دائما، كان يسمع مكالمات بها شجار عائلى مرة وإنفصال مراهقين مرة أخرى وأسرار نسائية خاصة و ما إلى ذلك، لم يتلذذ بهذه المكالمات فى الواقع لكنه كان يلجأ إليها فى الأوقات الخالية من تلقى شكاوى العملاء.
أدهم لم يكن شخص سئ أو شرير لكن هذه العادة هى أسوء ما فيه و الأسوء حقا أن هذه العادة قد إبتلعته و سيطرت عليه تماما، أصبح يتنصت على أى شخص فى أى وقت سنحت له الفرصة لذلك، وذات مرة أمسك بسماعة التليفون لإجراء مكالمة فسمع زوجته تتحدث مع والدتها فوجد نفسه - دون أن يشعر- يتنصت على المكالمة كاملة رغم انه يثق فى زوجته ثقة لا حدود لها و يعلم إنها لا تفشى أسرار بيتها و زوجها إلى أى مخلوق.
بعد إنتهاء المكالمة ذهب إلى الفراش و قبل أن يدركه النعاس ظل يحدث نفسه .. ما الذى أفعله؟ يا لها من عادة حقيرة !، وصل بى الحال إلى التجسس على زوجتى؟ إلى أين ستأخذنى هذه العادة؟! ثم أغمض عينيه و أستغرق فى النوم.
وفى صباح اليوم التالى ذهب الى عمله و جلس على مكتبه و ظل يتابع نشاطه الروتينى و عندما جاء وقت الراحة ذهب إلى ماكينة القهوة و ملئ فنجانه و عاد إلى مكتبه.. تردد كثيرا ثم إلتقط رقم تليفون و وضع السماعات على أذنه.. سمع صوت امرأة تتحدث إلى رجل و تقول له
- نعم رأيت الوصية بنفسى .. لقد كتب لزوجته الجديدة نصف الميراث
- العاهرة ! ماذا فعلت بوالدنا حتى تفقده صوابه هكذا؟
- نعم هذا جنون.. لن أدعها تأخذ حقنا مهما كان الثمن !
- و العمل ؟
- لقد فكرت مراراً و لا سبيل إلا التخلص منه !
- التخلص من مَن؟ هل جننتى؟!!
- هل عندك حل آخر؟ أم ستترك ميراثنا بين يدى هذه الملعونه؟
- لعلنا نتحدث إليه مره أخرى..
- أنسيت ما حدث حينما تحدثت إليه سابقاً؟ لعلك نسيت طردك من الفيلا و أنك تتحدث إلىّ الآن من الفندق !
- أنا أجبن من أن أفعل هذا أو حتى أشارك فيه !
- لقد قضى الأمر! .. زوجته عند والدتها و قد وضعت له السمّ فى الدواء قبل المكالمة بخمس دقائق!
كانت أحداث المكالمة سريعة ، أسرع من تَلقى أدهم و إستيعابه .. و ما أن سمع ميعاد شرب الأب للدواء المسموم حتى شُلّت كل حواسه و تفكيره تماما !، أواقع هذا أم حُلم؟ لعله كابوس! .. حاول أن يفيق من هول الكارثة التى سمعها منذ قليل و إستعاد بعض تركيزه، فكتب رقم المُتصِلة على ورقة صغيرة و رفع سماعة التليفون الداخلى للشركة و طلب زميلة له فى قسم البيانات و طلب منها العنوان الخاص بالرقم و بعد إلحاح منه إنها مسألة حياة أو موت أعطته العنوان فأخرج تليفونه المحمول و إتصل بالإسعاف و بلغ عن الحالة و ملابساتها آملاً أن يحاول المسعفين معالجته من السمّ بأى طريقة و فى أسرع وقت، ثم رفع سماعات الكمبيوتر إلى رأسه وإختار رقم الإبنة القاتلة! فوجدها تتحدث إلى رقم مختلف عن الرقم السابق و صوتها يغلبه البُكاء المُصتنَع..
-عَمي .. لقد مات والدى.. !
دوت الكلمات فى أذن أدهم كالصاعقة ! جُنّ عقله تماما، و حدث نفسه .. لما يحدث معى هذا؟ هذا كثير .. لا أستطيع التحمل! ثم أطاح بكل الملفات من على مكتبه فنظر له جميع الموظفين فى ذهول ! فصرخ بصوت عالى..
- لما؟ لماذا أنا بالذات؟ ..
و وسط ذهول كل من فى الحجرة فتح أدهم النافذة و ألقى بنفسه منها فسقط جثة هامدة!..
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.