ثمة أمرٌ غريب يُصر عليه الناس هنا في الجزيرة ويُجمعون عليه، إنهم يطلقون على اللون الأصفر اسم "أخضر"، في البداية ظننتهم يصطنعون الأمر لسبب ما لكن بمرور الوقت وجدتهم على ما يبدو مؤمنين به، لربما لم يروا الأخضر من قبل، أو فقط هكذا أخبرهم آبائهم وأجدادهم. في البداية بدا لي الأمر غريبًا حتى بات مرعبًا، وعندما بحثت في تاريخ الجزيرة من منظور اجتماعي وسياسي تبين لي عدة طفرات حدثت لتلك الجزيرة، تنقلات وتغييرات جذرية لكن بشكل مختلف كليًا عن العالم، كأنها تتبع منطق آخر، أو ربما ١+١≠٢ هنا في مادة الرياضيات التي يدرسها الأطفال. لا مجال الآن لذكر سبب وجودي على أرض الجزيرة، فهي قصة طويلة جدًا يصعب شرحها باختصار. لكن لنرجع إلى موضوعنا الأصلي، ألا وهو "الأخضر". تبين لي بعد البحث في تاريخ هذه البقعة من الأرض أنها لم تملك قط ربع ما تملك الآن من ثروات طبيعية، أو بالأحرى لم تكن تعلم أنها تملكها. حتى الألوان، لم تملك طوال تاريخها سوى اللون الأصفر، وحده الأصفر كان يطلي الجِمال والخيام وذرات الرمل اللانهائية. وبمزيد من البحث وجدت أصل سبب تسمية الأصفر بالأخضر لديهم. يقال أن قبل قرون عديدة ظهر رجل من بينهم، رجلٌ أجمعوا على صفاته الغير اعتيادية، والذي قادهم نحو المعرفة والتقدم، ولا أدري في الواقع أي معرفة قادتهم لتسمية لون بلون آخر!، لكن هذا ما وجدته، حيث أنني كنت أقرأ كتب التاريخ التي كتبوها هم أنفسهم، والتي يدرسها الأطفال في المدارس أيضًا. أقنعهم هذا الرجل الغريب أن ما يرونه يلون كل شيء في حياتهم تقريبًا إنما هو أزهى الألوان التي أنجبتها الطبيعة وأن اسمه "أخضر"، ولأنهم كانوا يؤمنون به إيمان مطلق، فصدقوه، وظلوا يرددوا الأمر لأبنائهم وأحفادهم حتى بات حقيقة ثابتة. لكن ليس هذا ما يدهشني، ولكن الغريب والغير معقول بعد التطور التكنولوجي الكبير الذي لحق بهم الآن وبعد مرور أكثر من ألف عام هو استمرار تصديق تلك الخرافة حتى اليوم!. فلو قام أحدهم بالبحث عبر الانترنت على كلمة أخضر -هكذا بمنتهى البساطة- فسيروا لونًا مختلفًا عما اعتقدوا دائمًا. وعندما تحريت بشكل سري عن الأمر بين الأشخاص العقلانيين الذين أعرفهم هنا تبين لي أن هناك جماعة من السكان الأصليين يعلمون بكذبة اللون هذه، ويريدون لها الاستمرار للأبد، حتى إنهم يقطعون رأس كل من يقول أن اللون الأخضر لا وجود له!. بخلاف ذلك، كل شيء هنا يسير بشكل طبيعي جدًا، بل أن الجزيرة تحظى بمستوى تكنولوجي لا بأس به بين جيرانها من الجزر الأخرى. ما أود قوله، أن ما يؤرقني حقًا طوال فترة وجودي هنا هو ما أراه بشكل واضح على وجوه الناس، كما ذكرت قبل قليل الأمور تسير بشكل عادي، تقام مباريات الرياضة والندوات الثقافية وافتتاح المكتبات العامة، لكن خلف كل هذا، أرى رجل مُلثم، يمسك بيده سيف، يلمع نصله تماما كما في أفلام الرسوم المتحركة، لا يأبه بضحكات الأطفال، ولا بلمعة عيون الشباب وقت المرح، لكنه عاقد العزم على ذبح أي كائن تسول له نفسه أن يقول أن الأخضر لا وجود له!.
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.