https://www.youtube.com/watch?v=bPhrG82nV2c
الساعة اقتربت من الواحدة بعد منتصف الليل. يوم طويل ومُهلك. كان جالسًا على مكتبه وقد احتسى نصف فنجان القهوة الخامس له اليوم. ضغط على زر وسأل "كم شخص متبقي عندك؟" فردت "امرأة واحدة يا دكتور" فتنهد وطلب من الممرضة أن تُدخلها. وهمّ يضع أسطوانة موسيقية أخرى. كانت قد دلفت المرأة لتوها، مشت ببطء خطوات واثقة، وجلست أمام المكتب على الكرسي. كانت ترتدي رداء أزرق داكن يتكون من جونلة قصيرة وجاكيت سادة، وكان شعرها أسود قصير جدا. تابعها الدكتور باهتمام من هيئتها ورائحة عطرها القوية النفاذة، وعندما عاد إلى مكتبه كانت قد بدأت الموسيقى.
فرحب بها بابتسامة خفيفة
- أهلا، كيف يمكنني مساعدتك؟
- جروتسكي؟
- نعم، إنها سيمفونيته الثالثة
- اللعنة عليه وعلى تلك السيمفونية تحديدًا
- ما بها؟
- إنها كاشفة، كاشفة لدرجة لا تستطيع ذواتنا تحملها
- أتحبي أن أوقفها؟
- لا .. دعها
- همم حسنا ما اسمك؟ وما هي مشكلتك تحديدا؟
- أنا مارلا، وأنت؟
فابتسم وقال لها
- جئتِ لدكتور دون أن تعرفي اسمه؟
- كنت أمشي في الشارع بلا وجهة محددة، ووجدت يافطة مكتوب عليها دكتور أمراض نفسية، فدخلت ولم أنتبه للاسم، وانتظرت طويلًا لعدم وجود حجز مُسبق.
- ويبدو أنك لم تنتبهي لهذه اليافطة التي على المكتب أيضًا، عمومًا اسمي إيفان. إيفان فالوشكا. أخبريني إذن، ما الأمر؟
- لستُ أكيدة إن كانت فعلًا مشكلة وبحاجة إلى علاج. لديّ نزعة سادية.
فتناول إيفان ما تبقى من القهوة استعدادًا لمقابلة مُرهقة. وسألها..
- وإن لم تكن مشكلة فلما لجأتِ إلى دكتور؟
- الرعب!
- أي رعب؟!
- الرعب في تجاوز المألوف. عندما أتمادى. عندما يفلت الزمام من يدي.
- ومتى يحدث هذا؟
- مع الأشخاص الذين يرغبون في مستوى عالي من السادية، على غير المعتاد. يجرفني تيار غامض، أشعر بثُقلي يخف، وأتماهى في نشوة مميتة، تُصبح وقتها السيطرة أمرًا مستحيلًا. القوة، البطش، سمات إلهية، عندما تسكنك، لا يعود بمقدورك التدني إلى مرتبة البشر مرة أخرى.
- حدثيني عن طفولتك.
- دعك من الأسئلة المعتادة واجعله حوارًا عاديًا، لا تعاملني كمريضة!
ارتبك إيفان فدارى توتره وبادرها بسؤال آخر
- كم مرة شعرتِ بالألوهية؟
- مرتان
- ومتى وجدتِ أنه ينبغي أن تذهبي لدكتور؟
- في المرة الثانية تحديدًا. عادة ما يكون هنالك كلمة أمان، أتفق عليها مع الطرف الآخر، عندما تماديت في المرة الأولى بدأت أشعر بذاك السمو الذي حدثتك عنه. كان رجل في الخامسة والثلاثين من عمره، في عينيه نظرة إنكسار جذابة، طلب المستوى العالي، واتفقنا على كلمة الأمان، عندما صرخ بها لم أستطع التوقف، وقتها شعرت بالرعب الذي أحدثك عنه، لأول مرة أفقد السيطرة، تأخرت دقيقة كاملة، وقتها كان يبكي بشدة من الألم، لكن الغريب أنه لم يقم بلومي بعدما ارتدى ملابسه.
- ماذا فعل إذن؟
- شكرني بشدة دونما أن ينظر في وجهي ثم انصرف.
- والمرة الثانية؟
- كان الأمر أشبه بتناول المخدارت للمرة الثانية، المرة الأولى لم تشبعك، ولديك الكثير لتكتشفه في ثاني مرة. كانت فتاة يافعة في الرابعة والعشرين، جاءت كمن يبحث عن الموت لا عن اللذة، وكان طلبها في منتهى الغرابة، لم ترغب في كلمة أمان، قالت لي إنها تبحث عن أقصى ما عندي، ووقعت العقد بدون تردد. في حقيقة الأمر استفزت ساديّتي. كانت المرة الأولى التي أقوم فيها بتجربة مشاهد بعينها للماركيز دي ساد، شربت من دمها حتى ارتويت، فقدت وعيها مرتين أثناء الممارسة، ولم تطلب مني التوقف مطلقًا، مكثتُ في تلك النشوة الإلهية 4 دقائق كاملة!
تنهد إيفان وأشعل سيجارة وسألها
- هل أنتِ مُحترفة؟
- أمارسها منذ سبع سنوات.
- لديكِ خبرة إذن، ما الذي دفعك للتمادي؟
- الفضول. دائمًا كان الفضول هو ما يقودني.
- أي فضول؟
- الفضول في اكتشاف مناطق معتمة لم يعرفها الضوء من قبل..
أشعلت سيجارة وزفرت دخانها لأعلى ثم أردفت
- في طريقي إليك، كنت جالسة على كرسي في حديقة عامة، كنت أدخن سيجارة، وقبل أن أرميها وجدت خنفسة أسفل قدمي، شعرت برغبة غامضة في أن ألقي عليها السيجارة، فرميتها، لسعت إحدى أرجلها، فأخذت تحركها كثيرًا ثم مضت.
- غريب
- ما رأيك؟
- علم النفس يصنف السادية والمازوشية على إنها اضطرابات نفسية، لكن لدي رأي آخر.
- ما هو؟
- أرى أن تلك الممارسات الخاصة بالجنس تُكمل بعضها، إنها مفيدة وصحيّة، أن يتم استغلال تلك الاضطرابات في إنتاج لذة للطرفين هذا في رأيي أفضل تصور للأمر. لكن حتى ساديتك غير مألوفة، غير عادية. أنا مُصرّ على إجابة لسؤالي!.
فردت بصوت متوتر
- قلت لك لا تعاملني كمريضة، أنا لا أسمح لك!
- العالم مليء بالبشاعات والأهوال، ماذا يعني لك هذا؟
ارتفعت نبضات قلبها وردت
- بالطبع يعني لي الكثير، ماذا تقصد؟
- هتلر، ستالين، موسوليني .. هؤلاء كانوا ساديين سببوا الدمار والوجع لكل البشرية. سؤالي هو ماذا تشعرين تجاههم؟ هل لديكِ أي نوع من أنوع الإعجاب بهم؟
- بالطبع لا!
- ولما لا؟
- تلميحك مباشر وسطحي .. أنا لا أقتل، لا أُكره أحدا على شيء دون إرادته..
- ما تفسيرك إذن يا مارلا؟
فنظرت بعيدًا نحو اللاشي وقالت
- لا أدري .. لقد وجدت نفسي هكذا
وصمتوا برهة يستمعوا لذلك النحيب الأوبرالي القادم من عوالم أخرى. قامت وتجولت في أنحاء الغرفة وحدقت في لوحة كلاسيكية تحمل فيها مريم يسوع بين ذراعيها وترفع رأسها للسماء تضرعًا، ثم سألته
- Pietà؟
- نعم
- هل تؤمن بالرب ؟
- كلا
- ما الجدوى إذن يا إيفان؟ ما الجدوى؟ ما الذي يجعل لشيء أحقية على شيء آخر؟
فتنهد تنهيدة طويلة ثم قال لها
- لا أعرف..
سقطت دمعة سرعان ما واراتها، ثم التقطت حقيبتها وابتسمت لإيفان وقالت
- ليلتك سعيدة
وانصرفت في خطوات سريعة. قام إيفان وأطفئ الموسيقى والتقط أسطوانة جروتسكي وظل ينظر لها كثيرًا، وعلم أنه لن يسمعها مجددًا كما اعتاد أن يسمعها من قبل.
الساعة اقتربت من الواحدة بعد منتصف الليل. يوم طويل ومُهلك. كان جالسًا على مكتبه وقد احتسى نصف فنجان القهوة الخامس له اليوم. ضغط على زر وسأل "كم شخص متبقي عندك؟" فردت "امرأة واحدة يا دكتور" فتنهد وطلب من الممرضة أن تُدخلها. وهمّ يضع أسطوانة موسيقية أخرى. كانت قد دلفت المرأة لتوها، مشت ببطء خطوات واثقة، وجلست أمام المكتب على الكرسي. كانت ترتدي رداء أزرق داكن يتكون من جونلة قصيرة وجاكيت سادة، وكان شعرها أسود قصير جدا. تابعها الدكتور باهتمام من هيئتها ورائحة عطرها القوية النفاذة، وعندما عاد إلى مكتبه كانت قد بدأت الموسيقى.
فرحب بها بابتسامة خفيفة
- أهلا، كيف يمكنني مساعدتك؟
- جروتسكي؟
- نعم، إنها سيمفونيته الثالثة
- اللعنة عليه وعلى تلك السيمفونية تحديدًا
- ما بها؟
- إنها كاشفة، كاشفة لدرجة لا تستطيع ذواتنا تحملها
- أتحبي أن أوقفها؟
- لا .. دعها
- همم حسنا ما اسمك؟ وما هي مشكلتك تحديدا؟
- أنا مارلا، وأنت؟
فابتسم وقال لها
- جئتِ لدكتور دون أن تعرفي اسمه؟
- كنت أمشي في الشارع بلا وجهة محددة، ووجدت يافطة مكتوب عليها دكتور أمراض نفسية، فدخلت ولم أنتبه للاسم، وانتظرت طويلًا لعدم وجود حجز مُسبق.
- ويبدو أنك لم تنتبهي لهذه اليافطة التي على المكتب أيضًا، عمومًا اسمي إيفان. إيفان فالوشكا. أخبريني إذن، ما الأمر؟
- لستُ أكيدة إن كانت فعلًا مشكلة وبحاجة إلى علاج. لديّ نزعة سادية.
فتناول إيفان ما تبقى من القهوة استعدادًا لمقابلة مُرهقة. وسألها..
- وإن لم تكن مشكلة فلما لجأتِ إلى دكتور؟
- الرعب!
- أي رعب؟!
- الرعب في تجاوز المألوف. عندما أتمادى. عندما يفلت الزمام من يدي.
- ومتى يحدث هذا؟
- مع الأشخاص الذين يرغبون في مستوى عالي من السادية، على غير المعتاد. يجرفني تيار غامض، أشعر بثُقلي يخف، وأتماهى في نشوة مميتة، تُصبح وقتها السيطرة أمرًا مستحيلًا. القوة، البطش، سمات إلهية، عندما تسكنك، لا يعود بمقدورك التدني إلى مرتبة البشر مرة أخرى.
- حدثيني عن طفولتك.
- دعك من الأسئلة المعتادة واجعله حوارًا عاديًا، لا تعاملني كمريضة!
ارتبك إيفان فدارى توتره وبادرها بسؤال آخر
- كم مرة شعرتِ بالألوهية؟
- مرتان
- ومتى وجدتِ أنه ينبغي أن تذهبي لدكتور؟
- في المرة الثانية تحديدًا. عادة ما يكون هنالك كلمة أمان، أتفق عليها مع الطرف الآخر، عندما تماديت في المرة الأولى بدأت أشعر بذاك السمو الذي حدثتك عنه. كان رجل في الخامسة والثلاثين من عمره، في عينيه نظرة إنكسار جذابة، طلب المستوى العالي، واتفقنا على كلمة الأمان، عندما صرخ بها لم أستطع التوقف، وقتها شعرت بالرعب الذي أحدثك عنه، لأول مرة أفقد السيطرة، تأخرت دقيقة كاملة، وقتها كان يبكي بشدة من الألم، لكن الغريب أنه لم يقم بلومي بعدما ارتدى ملابسه.
- ماذا فعل إذن؟
- شكرني بشدة دونما أن ينظر في وجهي ثم انصرف.
- والمرة الثانية؟
- كان الأمر أشبه بتناول المخدارت للمرة الثانية، المرة الأولى لم تشبعك، ولديك الكثير لتكتشفه في ثاني مرة. كانت فتاة يافعة في الرابعة والعشرين، جاءت كمن يبحث عن الموت لا عن اللذة، وكان طلبها في منتهى الغرابة، لم ترغب في كلمة أمان، قالت لي إنها تبحث عن أقصى ما عندي، ووقعت العقد بدون تردد. في حقيقة الأمر استفزت ساديّتي. كانت المرة الأولى التي أقوم فيها بتجربة مشاهد بعينها للماركيز دي ساد، شربت من دمها حتى ارتويت، فقدت وعيها مرتين أثناء الممارسة، ولم تطلب مني التوقف مطلقًا، مكثتُ في تلك النشوة الإلهية 4 دقائق كاملة!
تنهد إيفان وأشعل سيجارة وسألها
- هل أنتِ مُحترفة؟
- أمارسها منذ سبع سنوات.
- لديكِ خبرة إذن، ما الذي دفعك للتمادي؟
- الفضول. دائمًا كان الفضول هو ما يقودني.
- أي فضول؟
- الفضول في اكتشاف مناطق معتمة لم يعرفها الضوء من قبل..
أشعلت سيجارة وزفرت دخانها لأعلى ثم أردفت
- في طريقي إليك، كنت جالسة على كرسي في حديقة عامة، كنت أدخن سيجارة، وقبل أن أرميها وجدت خنفسة أسفل قدمي، شعرت برغبة غامضة في أن ألقي عليها السيجارة، فرميتها، لسعت إحدى أرجلها، فأخذت تحركها كثيرًا ثم مضت.
- غريب
- ما رأيك؟
- علم النفس يصنف السادية والمازوشية على إنها اضطرابات نفسية، لكن لدي رأي آخر.
- ما هو؟
- أرى أن تلك الممارسات الخاصة بالجنس تُكمل بعضها، إنها مفيدة وصحيّة، أن يتم استغلال تلك الاضطرابات في إنتاج لذة للطرفين هذا في رأيي أفضل تصور للأمر. لكن حتى ساديتك غير مألوفة، غير عادية. أنا مُصرّ على إجابة لسؤالي!.
فردت بصوت متوتر
- قلت لك لا تعاملني كمريضة، أنا لا أسمح لك!
- العالم مليء بالبشاعات والأهوال، ماذا يعني لك هذا؟
ارتفعت نبضات قلبها وردت
- بالطبع يعني لي الكثير، ماذا تقصد؟
- هتلر، ستالين، موسوليني .. هؤلاء كانوا ساديين سببوا الدمار والوجع لكل البشرية. سؤالي هو ماذا تشعرين تجاههم؟ هل لديكِ أي نوع من أنوع الإعجاب بهم؟
- بالطبع لا!
- ولما لا؟
- تلميحك مباشر وسطحي .. أنا لا أقتل، لا أُكره أحدا على شيء دون إرادته..
- ما تفسيرك إذن يا مارلا؟
فنظرت بعيدًا نحو اللاشي وقالت
- لا أدري .. لقد وجدت نفسي هكذا
وصمتوا برهة يستمعوا لذلك النحيب الأوبرالي القادم من عوالم أخرى. قامت وتجولت في أنحاء الغرفة وحدقت في لوحة كلاسيكية تحمل فيها مريم يسوع بين ذراعيها وترفع رأسها للسماء تضرعًا، ثم سألته
- Pietà؟
- نعم
- هل تؤمن بالرب ؟
- كلا
- ما الجدوى إذن يا إيفان؟ ما الجدوى؟ ما الذي يجعل لشيء أحقية على شيء آخر؟
فتنهد تنهيدة طويلة ثم قال لها
- لا أعرف..
سقطت دمعة سرعان ما واراتها، ثم التقطت حقيبتها وابتسمت لإيفان وقالت
- ليلتك سعيدة
وانصرفت في خطوات سريعة. قام إيفان وأطفئ الموسيقى والتقط أسطوانة جروتسكي وظل ينظر لها كثيرًا، وعلم أنه لن يسمعها مجددًا كما اعتاد أن يسمعها من قبل.
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.