Saturday, June 27, 2015

وداعٌ راقص لا ينتهي


دفعتْ برفق بوابة السور الحديدي القصيرة، ودلفتْ ببطء، وكل قدم تحمل ثقل أحزان العالم، ومَشَت خطوات، مشتها من قبل عشرات المرات، ووقفت أمامه. كان قد خرج لتوه وجلس ينتظرها في بذلته السوداء، مبتسمًا. ويداه ممسكتان ببعضهما البعض بين رجليه. كان المكان يخيم عليه السكون، إلا بعض صفير الريح بين الأشجار منزوعة الأوراق، وكان يضيئه القمر في صورته المكتملة، حريصًا على المشاهدة. همّت بنزع معطفها، الذي كانت ترتدي تحته فستان أسود قصير منزوع الأكمام، فبدت فيه كملاك في قداس جنائزي، كضوء شديد السطوع بداخل جوهرة سوداء نادرة الوجود. أدارت موسيقى عذبة، يأنس لها الراقدون في باطن الأرض. وبدأت رقصتها. كانت تتمايل برقة، تداري بابتسامة فيض من الدموع يحتشد أسفل عينيها يوشك أن يثور. تدور حول نفسها وحوله، تؤدي رقصة أتقنتها بشدة، كم تمنت أن يشاهدها. تأتي كل يوم لأدائها أمامه، كان حضوره الميتافيزيقي يرضيها رضاء مؤقت، سرعان ما يزول، فتأتي مجددًا، لترقص مرة أخرى. وكانت عينيه الشاحبة المبتسمة تلاحقها أينما ذهبت، لا تفوتهما حركة من رقصتها. وعندما انتهت، انحنت كالبجعة الحزينة. اقتربت منه حتى التصقا، وقبّلته قُبلة طويلة، لم تستطع معها أن تصمد دموعها أكثر من ذلك، فانهمرت على خديها الناعمين. ابتعد عنها وقد خيّم الأسى على ابتسامته العاجزة، ومضى إلى الأسفل. فارتدت معطفها وهمّت مُغادرة، عازمة الأمر على العودة مرة أخرى، وبعدما أغلقت خلفها البوابة الحديدية، كان قد بدأ القمر في النحيب.

يوميات

لأول مرة أحس إني مش فاهم حاجة وإني مش قادر أتفلسف وإن كل اللي قريته قبل كده موجود في صندوق مقفول في الذاكرة مش لاقي مفتاحه وإن الوعي الجمعي المحيط أقوى بكتير من أي أفكار مختلفة بملكها وإني فاقد لأي رغبة في القراءة .. أنا بتعرف على الحياة من منظور غريب جدا!

Thursday, June 11, 2015

يوميات

الأشياء تتداعى. الزهرة الجميلة فقدت رحيقها، وبَهت لونها، وتلاشت أوراقها ببطء. الزوجة السعيدة كَبرت في العمر، وضعف إدراكها، ونسيت تلك التجاعيد التي قبّلتها ألف ألف مرة. الكون يتمدد بلا نهاية، في كل لحظة تزداد المسافات بيننا. النجمة الساطعة غير موجودة، هذا طيفها، النجمة اندثرت بعنف، دون أن تدري السبب. القطة البائسة التهمت صغيرتها من الذُعر، وعندما هدأت، بحثت عنها بحُرقة. المرء لا يزال يأكل، ويشرب، ويقتل، ويبكي، ولا يدري من أمره شيئًا.

Thursday, June 4, 2015

يوميات

رغم كل طموحاتي الموسيقية إلا أني لا أرغب في شهرة واسعة ولا جماهير ولا محبين ولا حتى أن تُخلّد موسيقاي فترة طويلة، أود فقط لو أن أضع موسيقى لأفلام مغمورة غير ناجحة، أو موسيقى لا يعرفها سوى عدد ضئيل جدا من البشر يبتسم أحدهم عندما يعلم أن غريب تعرف إليه مؤخرا يستمع إليها أيضا، موسيقى عندما تسمعها قطة شارع آتية من بيتٍ كانت مارة بجانبه تستوقفها وتشعر بحنين غامض ثم تمضي..

يوميات

الوقت يمضي سريعا يا عزيزتي، المرء لا يدرك من أمره شيئا إلا في منتصف ماراثون هائل، لا يدري كيف بدأ ولا الجدوى من وجوده، لكنه اعتاد ممارسة الركض قبل ممارسة التفكير. وهكذا يمضي، يقيم صلات عابرة مع آخرين أثناء الركض، ويحاول تجميد الزمن قدر المستطاع، وإرجاء القدر المحتوم، لكن اللهث والتعب دائما ما يعوقوه، صدقيني، هذا العالم لا يوجد به أشرار، بل أناس مصابون بالضجر..