Sunday, February 19, 2017

يقول أحد علماء النفس التابع للمدرسة الفرانكفورتية أن المرء يرتبط بالسيجارة لسبب له علاقة بحنينه لثدي أمه. في الحقيقة أجد أن هذا التفسير عامةً لا يخلو من سطحية وسذاجة، على الأقل لا يمت لي بصلة، فالتدخين بالنسبة لي مثلًا هو بمثابة تحقيقًا للذات، إنجازًا عظيمًا بإمكاني فعله يوميًا لأكثر من مرة، أمتص غبارًا مُحترق أملأ به رئتاي فأشعر بأني ممتلئ، وأخرج سحابة رمادية تتجه إلى الأعلى في عرضٍ ساحر يجعلني أترك توقيعي الخاص على السماء، أحرق نفسي بها من الداخل غير قلقًا على أية تشوهات خارجية، وأجعل الموت يسلك إليّ طرقًا مختصرة كما تدعي بعض منظمات الصحة العالمية..

Saturday, February 18, 2017

يوميات

هنا في رأسي، حيث تُصدَر ملايين الإشارات في جزء من الثانية، حيث يتجرد العالم من حدود الإمكان وبراثن المنطق، من ثقل الوجود وتعقيدات البشر، هنا في رأسي، خلقت روايات عظيمة وحصدت الجوائز، عزفت موسيقاي للعالم وتلقيت الاحترام، ضاجعت نساء مثيرة، وتزوجت فتاتي، وأنجبت أطفالًا كثيرة، هنا في رأسي، حنوت على كل الحيوانات الضالة، وقبّلت رأس كل من أخطأت في حقه، حققت النجاح والحلم والسمو ثم عاودني الضجر..

Saturday, February 11, 2017

أذكر جيدًا أولى انكشافات هذا العالم المروع لي، كانت قبل ما يقرب سبعة أعوام، كانت مشاهد من الهولوكوست يعرضها رجل دين مسلم على قناة فضائية دينية. أتذكر جيدًا الوجوه الملطخة بالرماد والعرق، الزيّ الموحّد، الأجساد النحيلة، وملامح الرعب المُمتزجة باليأس. كانت مشاهد عشوائية، أجساد تُحمل إلى الأفران، وتخرج في صورة هياكل عظمية، تلال هائلة من الجثث تجرفها الجرارات لمقابر جماعية، ابتسامات القادة، وملامح الجنود الجامدة، وامرأة مُسِنّة تجلس على الأرض بين صغارها وتُقبل يد أحد الجنود -لا زالت أذكر التفاصيل- كان مشهد يجسد الذُل المُطلق، كانت تنظر له أعلاها وتُقبل يده بشكل متقطع ومتكرر، ثم تطيل القُبلة وتلصق شفتاها بيده، ويربت هو على كتفها، ليس بإمكانه تغيير شيئًا، وأذكر كلمات رجل الدين معلقًا: "انظروا كيف ذل الألمان اليهود، ولكن سوف يتم إذلالهم على يد المسلمين مرة أخرى بإذن الله". بعدما انتهيت ذهبت للفراش وتكورت على جانبي وأصابتني رجفة شديدة، كنت أقول لنفسي "هذا غير مُمكن .. هذا غير مُمكن". منذ تلك الليلة تحديدًا فقدتُ إيماني، وفقدتُ الأمل في العالم، وبتُ أحتقر كل الآراء والأشعار التي تصف العالم بالجمال لزرقة السماء وزهو الأشجار، وبتُ أحتقر الذين لا يروا في العالم سوى الجمال، وأدركت بشكل كليّ، أن كل شيء في هذا العالم هو في واقع الأمر مُمكن..

Sunday, February 5, 2017

- ولكن أخبرني، لماذا تكره القتل هكذا؟
- وكيف لا أكرهه؟!
- إن كنت ضد مبدأ الإنجاب، وتؤيد الانتحار، وتلعن الوجود، فلما لا ترى الخلاص في القتل؟
- أي خلاص؟ 
- الخلاص من كل العذابات والأهوال التي طالما شكوت منها..
- أنا لا أفهم..
- بالطبع لا تفهم، لأنك لا تتبع المنطق اتباعًا كليًا، أنت تعلم أن فلسفتك تخلو من المنطق الخالص، وتعلم أيضا إنها لا تنطلي سوى على الضعفاء والبائسين من أمثالك..
- انتظر .. ربما هكذا يعمل المنطق، وربما كلامك لا يخلو من صواب، لكني أتبع المنطق لأفهم الأمور، لا لأؤمن بها، إن منطق الكون ظالم ووحشي. أنا لا أدعي صلاح وخير، إنني أعلم جيدًا أن كل ما في الأمر أنني وُجدتُ بتلك النزعات غير التدميرية، لكن دعني أخبرك شيئًا، ربما يتحقق للقتيل الخلاص، لكننا -كأسرى للوجود- نعايش آلامًا جراء القتل، ونتحملها مضطرين طوال حياتنا، فليذهب المنطق للجحيم يا عزيزي، ومرحبا بأي خرافات بإمكانها أن تجعل عالمنا أقل عنفًا وبشاعة..