Monday, November 30, 2015

15 ساعة في السجن

https://www.facebook.com/CarelessMusic13/videos/861343770651284/


لطالما وليتُ وجهي نحو اللاشيء، شاكيًا وجودي، متمردًا عليه، مختنقًا في سجن بحجم الكون اللامتناهي، الذي لا أُشكل أي نسبة تُذكر من حجمه الهائل. رافضًا كل شيء وأي شيء. لكن شاء العبث أن يضيق سجني، لأخوض أغرب تجربة في حياتي. 


لم يكن كابوسًا ككوابيسي الدائمة، التي عندما أدركها أفتح عيني لأخرج منها، لأنني فتحت عيني كثيرًا ولم أخرج منه، لم أخرج منه إلا بفعل الزمن. 


عندما اقتدت إلى زنزانة لون بوابتها أخضر باهت -كلون كل شي في هذه البلد- لم أستوعب الأمر بعد، حتى بعدما أغلقها الشرطي بالأقفال. ظللت واقفًا بجوارها، مستنكرًا الواقع، ومُختبرًا للعجز في كل صورة له، وانتظرتُ رئيسي في العمل، الذي وعدني أن الأمر لن يتم أبدًا وأنه في طريقه إليّ.


كان هناك ما يقرب من خمسة وعشرون سجينًا من مختلف الجنسيات، اصطفّوا على جانبي الزنزانة، مستلقين على أرضيتها، كان المكان أشبه بمقبرة جماعية، رغم نظافته نسبيًا. رفضتُ الجلوس، تصورتُ أني سأظل واقفًا طوال الأربع وعشرين ساعة.


وعندما هاتفني رئيسي، ليخبرني بأسفه الشديد، بأن القانون الجديد ينص على وجوب قضاء يومًا في السجن لمن لا يحملون رخصة قيادة، وبأن كافة محاولاته باءت بالفشل، كنت قد بدأت في استيعاب الأمر واعتياده.


طوال فترة سجني وأنا لا أفكر سوى بدوستويفسكي، الذي لم أقرأ له أي شيء على الإطلاق، لكنه دائمًا في ذهني، وأتذكر مقولته: ”إن الإنسان يعتاد كل شيء، ياله من حقير.“


كان هناك شخصٌ نحيل، متوسط القامة، يُفرض سيطرته على المكان، خاصةً الجنسيات الأجنبية. عندما اقترب مني نظرتُ له نظرة حادة. حيّاني فرددتُ له التحية، فأدرك أنه من الأفضل له أن يتجنبني ومضى. 


بعدها بدأت بالتعرف على بعض الأشخاص الذين يشاركوني نفس اللغة. أحدهم قضى ما يزيد عن شهرين هنا، لعجزه عن دفع تعويض متوفي تسبب في قتله في حادث سير، وآخر قضى أربعة شهور لنفس السبب. الأمر أشبه بسجن مدى الحياة، ليس في زمنه الفعلي، بل في قضاءه، في المكوث لأجل غير مسمى، حتى يتبرع أحدهم، أو يصدر عفو من الحاكم، ربما.


عندما حاولت أن أستلقي مثلهم لأنام، لم أجد مكانًا لي، فرقدتُ منكمشًا وسط شخصين، وتذكرتُ المرأة الفقيرة في رواية بيدرو بارامو، التي مزقها الفقر في حياتها وفي مماتها، حتى إنها لم تستطع أن تستقل بقبرًا لها، فاستلقت بين ذراعي خوان بريثيادو، وتذكرتُ عبارتها المؤلمة: ”إنني شيء لا يزعج أحدًا.“


نمتُ كثيرًا، لكن لم يفارقني الوعي، تمنيتُ أن يكون قد مر ساعات طويلة، إلا أنها ساعة واحدة التي مضت. كنتُ جائع بشدة ولم أذق شيئًا طوال اليوم، وكنتُ قد قررت ألا أقرب الطعام حتى أخرج. عندما أدخل الشرطي العشاء، انقضوا عليه كالوحوش الجائعة، وكنت مستلقي إلى الحائط، لم أحرك ساكنًا، كنت أتأملهم. بعدما انتهوا عادوا إلى توابيتهم، جالسين، يحدقون نحو اللاشي. 


كنت بحاجة شديدة للتدخين، وقد أخذوا علبة سجائيري في الخارج قبل دخولي. بعد قليل، همّ أحدهم يعطيني سيجارة، كان يداريها في قبضة يده، ابتسم لي وأخبرني أن أشربها في دورة المياه بعيدا عن الكاميرات. شعرتُ بامتنان بحجم العالم لهذا الشخص المجهول الذي لم أعرف اسمه ولا سنحت الفرصة لتبادل بعض الكلمات معه. أشعلتها ودخّنت بعنف، حتى لسع الفلتر شَفَتاي.


عدتُ ثملًا ورأسي يتأرجح، وجلستُ أفكر، لا يفارق دوستويفسكي ذهني، ويراودني شعور غامض بالذنب تجاه كل من في الزنزانة، لا أدري ماهيته ولا سببه، حتى شعرتُ أنه لسبب ما لن أغادر المكان، وأسأل نفسي، كيف يمكن للمرء أن يعتاد هذا؟


دقائق حتى عكر صوت أقفال البوابة صفو هذياناتي، ودخل الشرطي لينطق اسمي، خرجت مسرعًا، عاجزًا عن فهم أي شيء، عازمًا الأمر على استمرار مشاهدة تلك الحياة اللعينة، كيف تمر.

No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.